وقيل ان ادريس هو أول من خط بعد ءادم عليه السلام وقطع الثياب وخاطها، وينسب الى هذا النبي الكريم أشياء كثيرة مما هي كذب وافتراء. وقد روى ابن حبان في صحيحه من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا أبا ذر أربعة سريانيون: ءادم، وشيث، وأخنوخ وهو ادريس وهو اول من خط بالقلم، ونوح".
وقيل سمي ادريس بهذا الاسم لأنه مشتق من الدراسة، وذلك لكثرة درسه الصحف التي أنزلت على سيدنا ءادم وابنه شيث عليهم الصلاة والسلام.
واما ما جاء في وصفه فقد روى الحاكم في المستدرك عن سَمُرة بن جندب قال: كان ادريس ابيض طويلا، ضخم البطن، عريض الصدر، قليل شعر الجسد كثير شعر الرأس، وكانت في صدره نكتة بيضاء من غير برص، فلما حصل من أهل الأرض الجور والاعتداء في أمر الله رفعه الله الى السماء فهو حيث يقول: {ورفعناه مكاناً عليّاً (57)} [سورة مريم].
حِكَمُ سيدنا ادريس عليه السلام ومواعظه
اشتهر سيدنا ادريس عليه الصلاة والسلام بالحكمة والمواعظ المؤثرة، فمن حكمه عليه الصلاة والسلام: "الصبر مع الايمان بالله يورث الظفر" وقد قيل انّ هذه الحكمة كانت منقوشة على فص خاتمه، ومنها: "اذا دعوتم الله فأخلصوا النية وكذا الصيام والصلوات فافعلوا" أي أخلصوا النية لله تعالى في الدعاء والصيام والصلوات.
ومنها: "تجنبوا المكاسب الدنيئة"، ومنها: "من أراد بلوغ العلم والعمل الصالح فليترك من يده أداة الجهل وسىّء العمل"، ومنها: "حياة النفس الحكمة"، ومنها: "لا تحلفوا بالله كاذبين".
فائدة: روي أن سيدنا ادريس عليه الصلاة والسلام جاءه مرة ابليس في صورة انسان وكان سيدنا ادريس يخيط وفي كل دخلة وخرجة يقول سبحان الله والحمد لله، فجاءه ابليس اللعين بقشرة وقال له: الله تعالى يقدر أن يجعل الدنيا في هذه القشرة؟ فقال له سيدنا ادريس: الله تعالى قادر أن يجعل الدنيا في سَم هذه الابرة أي ثقبها، ونخس بالابرة في احدى عينيه وجعله أعور.
وأما قول ادريس عليه السلام الله تعالى قادر أن يجعل الدنيا في سم هذه الابرة، أراد به أن الله تبارك وتعالى قادرٌ أن يصور الدنيا أصغر من سم الابرة ويجعلها فيها، أو يجعل سم الابرة أكبر من الدنيا فيجعلها أي الدنيا في سم الابرة، لأن الله تبارك وتعالى على كل شيء قدير، وانّما لم يفصل له سيدنا ادريس عليه الصلاة والسلام الجواب لأنه معاند، ولهذا عاقبه على هذا السؤال بنخس العين. ذكر هذه القصة الأستاذ أبو اسحاق الاسفرايني في كتابه الترتيب في أصول الفقه.
رَفْعُ ادريس عليه السلام الى السماء ومكان موته
أقام سيدنا ادريس عليه الصلاة والسلام في العراق وفي مصر يدعو الى دين الاسلام، جاهد في سبيل الله، وصبر في الدعوة الى الله الصبر الجميل، وتحمل من قومه الكثير وهو بدعوهم الى الالتزام بالشريعة وبطاعة المولى سبحانه وتعالى في حق ادريس عليه الصلاة والسلام: {واذكر في الكتاب ادريس انّه كان صديقاً نبياً (56) ورفعناه مكاناً عليا(57)} [سورة مريم].
وقد اختلف المؤرخون في السماء التي رفع اليها سيدنا ادريس عليه السلام، فقد روي عن ابن عباس أنه قال في تفسير الآية: ان الله رفعه الى السماء السادسة فمات بها، وروي عن مجاهد في قوله تعالى: {ورفعناه مكاناً عليا(57)} قال السماء الرابعة، والصواب أنه عليه الصلاة والسلام مات على هذه الأرض كما تقدم. وأما أنه لم يزل في السماء السادسة فغير معتمد، وذلك لقول الله تعالى: {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أخرى(55)} فأخبر أن الانسان خلق من هذه الأرض وتكون نهايته بعد الممات اليها ومنها يبعث يوم القيامة.