المراهقةAdolescence :
وهي من مراحل عمر الإنسان التي استقطبت اهتمام الباحثين في علم النفس، وقد تشابهت تعاريفها في جوهرها إلا أنها تختلف في وصفها فمن التعاريف ما يصفها بشكل عام، ومنها ما يصفها على أنها ظاهرة بيولوجية، ومنها ما يصفها على أنها أزمة… وهكذا.
إن كلمة Adolescence بمعنى المراهقة مشتقة من الفعل اللاتيني adolescere ومعناه: التدرج نحو النضج البدني والجنسي والعقلي والانفعالي. وهنا يتضح الفرق بين كلمة مراهقة وكلمة بلوغ puberty التي تقتصر على ناحية واحدة من نواحي النمو وهي الناحية الجسمية (فهمي،1967، ص205). في حين يرى جلال أن الكلمة التي تقابل المراهقة في اللغة الإنكليزية هي كلمة pubescence وتعني البلوغ
(جلال، 1985، ص230).
وعرف Breckenridge المراهقة تعريفا وظيفيا حينما وصفها بأنها "امتداد في السنوات التي يقطعها البنون والبنات متجاوزين مدارج الطفولة مرتقين إلى الرشد حيث النضج العقلي والانفعالي والاجتماعي والجسمي" (Breckenridge, 1960, p.324).
ومنها تعريف البهي السيد "المراهقة بمعناها العام هي المرحلة التي تبدأ بالبلوغ وتنتهي بالرشد، فهي لهذا عملية بيولوجية عضوية في بدئها، وظاهرة اجتماعية في نهايتها" (السيد، 1975، ص257).
ولعل أول من أهتم وأوصى بزيادة البحوث والدراسات حول هذه المرحلة من النمو ستانلي هول شيخ علماء النفس الأمريكان الذي أطلق عليها اسم مرحلة "العاصفة والهم"، ويعرفها بأنها "مرحلة فوران وانتقال في الجنس البشري"
(جلال، 1985، ص286).
والمراهق Adolescent "هو الفرد الذي يرى بأنه قد تخطى مرحلة الطفولة وأنه أصبح – من وجهة نظره هو – قادرا على رعاية نفسه، وأن له تفكيره الخاص به وأنه فرد مستقل الذات " (الجسماني، ؟؟19، ص248).
وتعرف WHO المراهقة بأنها "المرحلة ما بين 10 و19 سنة". وعرفت الأمم المتحدة كلمة "Youth" بأنها "المرحلة من 15-24 سنة"، ومصطلح "young people" يشير إلى عمر من 10-24 سنة (WHO/UNFPA/UNICEF, 1999, PI).
والمراهقة "من أهم مراحل حياة الإنسان، وقد تمثل الفترة الحرجة التي تتخللها الكثير من الاضطرابات الجسمية والنفسية إذ أن المراهق يعيش صراعا نفسيا كبيرا بين الطفولة والرشد فهو ليس بطفل ولا هو براشد إنما هو محصور في أرض محايدة (الجمعية العراقية للطفولة، 1999، ص61).
ويلاحظ التباين في التعاريف المختلفة للمراهقة في أنها مرحلة انتقالية، أو عملية بيولوجية، أو ظاهرة اجتماعية، أو أنها امتداد بين الطفولة والرشد، أو فترة صراع نفسي بين الطفولة والرشد.
واتفق مع تعريف الجسماني للمراهق بأنه الفرد الذي يرى بأنه قد تخطى مرحلة الطفولة وأنه أصبح – من وجهة نظره هو – قادرا على رعاية نفسه، وأن له تفكيره الخاص به وأنه فرد مستقل الذات " (الجسماني، ؟؟19، ص248)، لأنه؛
أ. أخذ بنظر الاعتبار المراهق على أنه فرد مستقل، وهذا يعني الأخذ بنظر الاعتبار القوى الكامنة فيه والدوافع الأساسية التي تكمن وراء سلوكه.
ب. له تفكيره الخاص به، فقد قال بياجيه مرة: "إن الهدف الأساس للتربية هو خلق الرجال الذين بإمكانهم عمل أشياء جديدة، وليس بتكرار ما قامت به الأجيال السابقة – إن الرجال المبدعين، مخترعون ومكتشفون. وإن الهدف الثاني للتربية كما قال (الكند ، 1983) هو تشكيل العقل للتفكير العميق، ويمكنهم أن يفرقوا بين الأشياء ولا يقبلوا كل شيء يقدم لهم" (الكند، 1983، ص26).
هذا واختلف العلماء في تحديد فترة المراهقة، إذ أنها تختلف من فرد لآخر، ومن جنس لآخر، ولكن هناك شبه اتفاق على أنها تبدأ من سن (13-21) سنة
(السيد، 1975، ص257).
هل هناك مراهقة سوية ؟
إن من الصعب تحديد معنى عبارة "المراهقة السوية"، لأن المراهقة بحد ذاتها هي عبارة عن فترة اعتراضيه لنمو متئد نسبيا. والمحافظة على موازنة مستقرة خلال هذه الفترة هي بحد ذاتها غير سوية. فإنه من السوي للمراهق أن يتصرف لمدة طويلة الى حد ما بطريقة غير متوقعة ومتغيرة، فقد يرضى بدوافعه وقد يثور عليها، وقد يتغلب على هذه الدوافع وقد تجرفه بتيارها، وقد يحب والديه وقد يكرههما، قد يكون معتمدا عليهما وقد يتمرد عليهما، وقد يتوق لأحاديث القلب للقلب مع أحد والديه وقد يشعر بالخجل العميق إذا أراد أن يشكره أمام الآخرين، وقد يشتد في البحث عن ذاتيته في نفس الوقت الذي يسعى فيه الى التشبه بالآخرين ومحاكاتهم، وقد يكون أنانيا نرجسيا يتصف بالأثرة والغرور، وفي الوقت نفسه يكون مثاليا مبدعا يتصف بالإيثار والكرم. فتعد هذه التقلبات الكبيرة غير سوية فيما إذا حدثت في مراحل الحياة الأخرى، إلا أنها في فترة المراهقة قد تعني بأن الفرد يمر في مرحلة انتقالية وان تكوين الشخصية البالغة قد يأخذ وقتا طويلا لاكتمالها وان المراهق لا زال يختبر مختلف الاحتمالات. وإذا اقتنعنا بحقيقة التنافر ضمن الكيان الداخلي للمراهق التي تعني وجود صراع بين دوافعه البدائية وأوامر ضميره وذاته وقدرنا المعارك التي تحتدم بينها، لأدركنا أنها محاولات نافعة لإعادة السلام والتوافق. وعلى ذلك، بدأت الطرائق التي يستخدمها المراهقون للتغلب على الدوافع الداخلية والعلاقات الخارجية تبدو سوية. وحتى إذا أصبحت هذه الوسائل مَرَضيَّة، فإن ذلك يعود إلى كثرة في استخدامها أو التركيز عليها وليس لأنها خبيثة في طبيعتها. إن هذه الأنماط الشاذة في نمو المراهقين تمثل في الواقع طرقا مفيدة لاستعادة الاستقرار الذهني إذا ما استخدمت باعتدال. مثال على ذلك، أن المراهق قد يرغب في أن يحرر نفسه من القيود العائلية عن طريق الهرب، وبدلا من أن يقلل من ارتباطاته العائلية تدريجيا، يختفي بصورة مفاجئة ملتحقا بمنظمة للشباب أو منظما إلى عصابة إرهابية، وقد لا يهرب ولكنه يقوقع نفسه داخل البيت متصرفا كأنه نزيل غريب. وفي الوقت الذي قد يكون فيه تقليل الروابط العائلية ضروريا قبل أن يستطيع المراهق إقامة علاقات مع أحد أفراد الجنس الآخر خارج نطاق العائلة، فإن درجة انفعاله بهذا الخصوص قد تكون مَرَضيّة، أو قد يكون تحليقا موقتا مَرَضياً في الظاهر، على الطريق نحو الوضع السوي.
وعودا إلى أن المحافظة على موازنة مستمرة خلال فترة المراهقة هي بحد ذاتها أمر غير سوي. هناك بالطبع بعض المراهقين الذين لا يبدو عليهم أية علامة لاضطراب داخلي حتى إلى سن الخامسة عشرة أو السادسة عشرة، وهؤلاء يستمرون - كما كانوا من قبل – أطفالا مهذبين مؤدبين مطيعين لوالديهم ومعلميهم، مرتبطين بالعائلة وخاضعين لمثلها وتقاليدها، غير أن ذلك يعني تأخرا في نموهم السوي ويجب أن لا يكون سلوكهم هذا مبعثا للارتياح. وهناك أيضا بعض المراهقين الذين يتخذون سبيلا وسطا، إلا أنهم في الواقع ليسوا خير من يوضح مشكلة المراهقة .
وكما أن المراهق يعاني من استقطابات عديدة في مشاعره، هناك استقطابات لانفعالات مقولبة في المجتمع تجاه المراهق أيضا. فالمجتمع قد يُعد المراهق شخصا خطرا أو معرضا للخطر، ضحية أو معتديا، طيب القلب بريئا أو شاذا عاطفيا وهو بحاجة ماسة الى العلاج، وقد يحسده المجتمع ويرى أن على البالغين أن يحدوا من نزواته أو يعدوه مستودعا لطموحات البالغين غير المحققة وبذلك يكون بحاجة ماسة إلى الرعاية والعناية. وهكذا نرى أن البالغين يتفاوتون بين الذين يدفعون بالمراهق خارج نطاق العائلة في أسرع وقت تسمح به الآداب العامة وبين أولئك الذين يحزنون لفراقه. وقد يُعد غير ناضج جنسيا ويجب أن يشجع في هذا الطريق، وقد يُعد متحررا من الناحية الجنسية أكثر مما ينبغي ويحتاج إلى الحد من حريته. وذلك يعني، أن النظر إلى المراهق بمفاهيم جامدة (مقولبة) يعني إهماله شخصيا. فما الذي يُكوّن هذه المقولبات؟ لأن معظمالبالغين يجدون صعوبة في تذكر مشاعرهم المتعلقة بفترة مراهقتهم، انهم غالبا ما يستطيعون أن يربطوا الأحداث على أنها حقائق مجردة عن المشاعر التي كانت ترافقها. والبالغ لا يستطيع أن يعيد الى ذاكرته الجو الذي كان يعيش فيه مراهقا بما فيه من القلق والهموم، وقمم السعادة وأعماق اليأس، والقنوط المطلق والحماسيات المتهيجة، والتأملات الفلسفية والفكرية، وأحاسيس الاضطهاد من البالغين، وسورات الغضب والكراهية تجاه البالغين، والشعور بالوحدة، والخواطر الانتحارية .
إن المراهقة السوية تتصف بدرجة كبيرة من الاضطراب، ولذلك نجد لدى البالغين نوعا من الرغبة الطبيعية في استذكار مشاعر المراهقة التي أصبحوا يستنكرونها بعدئذٍ. ومحاولة احياء هذه المشاعر لدى البالغين يخلق نوعا من المشاركة الوجدانية مع المراهقين وخاصة استذكار الاندفاعات المؤدية إلى اتخاذ قرارات مغلوطة وأعمال استوجبت الاعتذار عنها فيما بعد، وكذلك مشاعر الألم والشقاء التي قد تطغ أحيانا على فترة المراهقة. فبالنسبة للبالغين، فإن ذلك يمثل الماضي الذي من الأفضل أن ينسى. فالبالغ الذي يملك "علاقة سيئة مع فترة مراهقته هو"، يفضل أن يتجنب المراهقين، وإذا ارتبط بهم، فإنه غالبا ما يستخدم اندماجه معهم لتحقيق احتياجاته اللاشعورية. انه قد يحتاج لأن ينقذ المراهق، أو يصحح الموقف، أو يكبح رغبات المراهق التي فشل هو في تحقيقها خلال فترة مراهقته. غير أن البالغ عندما يمتلك القدرة على فهم المراهق، يكون أكثر قدرة على حل مشاكل المراهق بأسلوب أرق من الآخرين .
وخلاصة القول، إن الاتصال بين المراهقين والبالغين صعب إلى الحد الذي يشك كثير من المهنيين المسؤولين بإمكانية إقامة الجسور بين الجيلين في مثل هذا المجتمع السريع الحركة، وكل ما يأملونه هو التسامح المتبادل والتعايش السلمي. وعلى الرغم من أن ايجاد علاقة تعاطفية حقيقية بين البالغين والمراهقين من الصعوبة بمكان، فإن من المأمول بأن إدراك بعض القوى المؤثرة في دور المراهقة قد يساعد على فهم أفضل لهذه الفترة من حياة الإنسان وقد يؤدي إلى علاقات واقعية وبناءة وتسامح أكبر بين البالغين والمراهقين على حد السواء.