أصحاب الكهف والرقيم
ورد ذكر القصة في سورة الكهف . في زمان ومكان غير معروفين لنا الآن ، كانت توجد قرية مشركة . ضل ملكها وأهلها عن الطريق المستقيم ، وعبدوا مع الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم . عبدوهم من غير أي دليل على ألوهيتهم . ومع ذلك كانوا يدافعون عن هذه الآلهة المزعومة ، ولا يرضون أن يمسها أحد بسوء . ويؤذون كل من يكفر بها ، ولا يعبدها . في ذاك المجتمع الفاسد ، ظهرت مجموعة من الشباب العقلاء . ثلة قليلة حكّمت عقلها ، ورفضت السجود لغير خالقها ، الله الذي بيده كل شيء . فتية ، آمنوا بالله ، فثبتهم وزاد في هداهم . وألهمهم طريق الرشاد . لم يكن هؤلاء الفتية أنبياء ولا رسلاً ، ولم يتوجب عليهم تحمل ما يتحمله الرسل في دعوة أقواهم . إنما كانوا أصحاب إيمان راسخ ، فأنكروا على قومهم شركهم بالله ، وطلبوا منهم إقامة الحجة على وجود آلهة غير الله . ثم قرروا النجاة بدينهم وبأنفسهم بالهجرة من القرية لمكان آمن يعبدون الله فيه . فالقرية فاسدة ، وأهلها ضالون
عزم الفتية على الخروج من القرية ، والتوجه لكهف مهجور ليكون ملاذاً لهم . خرجوا ومعهم كلبهم من المدينة الواسعة ، للكهف الضيق . تركوا وراءهم منازلهم المريحة ، ليسكنوا كهفاً موحشاً . زهدوا في الأسرّية الوثيرة ، والحجر الفسيحة ، واختاروا كهفاً ضيقاً مظلماً . إن هذا ليس بغريب على من ملأ الإيمان قلبه . فالمؤمن يرى الصحراء روضة إن أحس أن الله معه . ويرى الكهف قصراً ، إن اختار الله له الكهف . وهؤلاء ما خرجوا من قريتهم لطلب دنيا أو مال ، وإنما خرجوا طمعا في رضى الله . وأي مكان يمكنهم فيه عبادة الله ونيل رضاه سيكون خيراً من قريتهم التي خرجوا منها
استلقى الفتية في الكهف ، وجلس كلبهم على باب الكهف يحرسه . وهنا حدثت المعجزة الإلهية . لقد نام الفتية ثلاثمئة وتسع سنوات . وخلال هذه المدة ، كانت الشمس تشرق عن يمين كهفهم وتغرب عن شماله ، فلا تصيبهم أشعتها لا في أول النهار ولا في آخره . وكانوا يتقلبون أثناء نومهم ، حتى لا تهترئ أجاسدهم . فكان الناظر إليهم يحس بالرعب لأنهم نائمون ولكنهم كالمستيقظين من كثرة تقلّبهم . بعد هذه المئات الثلاث من السنين ، بعثهم الله مرة أخرى . استيقضوا من سباتهم الطويل ، لكنهم لم يدركوا كم مضى عليهم من الوقت في نومهم . وكانت آثار النوم الطويل بادية عليهم . فتساءلوا : كم لبثنا ؟ فأجاب بعضهم : لبثنا يوما أو بعض يوم . لكنهم تجاوزوا بسرعة مرحلة الدهشة ، فمدة النوم غير مهمة . المهم أنهم استيقظوا وعليهم أن يتدبروا أمورهم
فأخرجوا النقود التي كانت معهم ، ثم طلبوا من أحدهم أن يذهب خلسة إلى لمدينة ، وأن يشتري طعاماً طيباً بهذه النقود ، ثم يعود إليهم برفق حتى لا يشعر به أحد . فربما يعاقبهم جنود الملك أو الظالمون من أهل القرية إن علموا بأمرهم . قد يخيرونهم بين العودة للشرك ، أو الرجم حتى الموت . خرج الرجل المؤمن متوجهاً إلى القرية ، إلا أنها لم تكن كعهده بها . لقد تغيرت الأماكن والوجوه . تغيّرت البضائع والنقود . استغرب كيف يحدث كل هذا في يوم وليلة . وبالطبع ، لم يكن عسيراً على أهل القرية أن يميزوا دهشة هذا الرجل . ولم يكن صبعاً عليهم معرفة أنه غريب ، من ثيابه التي يلبسها ونقوده التي يحملها . لقد آمن المدينة التي خرج منها الفتية ، وهلك الملك الظالم ، وجاء مكانه رجل صالح . لقد فرح الناس بهؤلاء الفتية المؤمنين . لقد كانوا أول من يؤمن من هذه القرية . لقد هاجروا من قريتهم لكيلا يفتنوا في دينهم . وها هم قد عادوا . فمن حق أهل القرية الفرح . وذهبوا لرؤيتهم
وبعد أن ثبتت المعجزة ، معجزة إحياء الأموات . وبعدما استيقنت قلوب أهل القرية قدرة الله سبحانه وتعالى على بعث من يموت ، برؤية مثال واقي ملموس أمامهم . أخذ الله أرواح الفتية . فلكل نفس أجل ، ولا بد لها أن تموت . فاختلف أهل القرية . فمنهم من دعا لإقامة بنيان على كهفهم ، ومنهم من طالب ببناء مسجد ، وغلبت الفئة الثانية . لا نزال نجهل كثيراً من الأمور المتعلقة بهم . فهل كانوا قبل زمن عيسى عليه السلام ، أم كانوا بعده . هل آمنوا بربهم من من تلقاء نفسهم ، أم أن أحد الحواريين دعاهم للإيمان . هل كانوا في بلدة من بلاد الروم ، أم في فلسطين . هل كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم ، أم خمسة سادسهم كلبهم ، أم سبعة وثامنهم كلبهم . كل هذه أمور مجهولة . إلا أن الله عز وجل ينهانا عن الجدال في هذه الأمور ، ويأمرنا بإرجاع علمهم إلى الله . فالعبرة ليست في العدد ، وإنما فيما آل إليه الأمر . فلا يهم إن كانوا أربعة أو ثمانية ، إنما المهم أن الله أقامهم بعد أكثر من ثلاثمائة سنة ليرى من عاصرهم قدرة الله على بعث من في القبور ، ولتتناقل الأجيال خبر هذه المعجزة جيلاً بعد جيل