ِحوار صمت البيادق!!

زائر

- أن يبقى الإنسان مجرد رقم ما في قائمة ما فوق مكتب ما أو معلقا على حائط ما فهذا ذروة العسف الذي يمكن ممارسته .. و الذل نتيجته بطبيعة الحال .. انه كذلك و أي وصف يخرج عن نطاق هذه المعادلة لن يمثل سوى الحمق .. هكذا معادلة يمكن أن ترسم الصورة الحقيقية لإنسان هذا الزمان .. انه بيدق شطرنج لا أكثر مهما ارتدى من ملابس فاخرة و مهما اهتم بكعبه العالي..إنها كارثة بكل ما للكلمة من معنى.. فليس أمام البيدق من خيار إلا البقاء على سطح الرقعة دون ظل أو الخروج منها ليمارس الفرجة دون ان يكون لصوته اى صدى !!

• هذه فلسفة المتشائمين .. نظرية العجزة و الانهزاميين..هي –كما ترى- نظرية الفشل المسبق و المبرر الجاهز ..لماذا لا يرقى الطموح ؟ لماذا تحرم البيادق نفسها من حلم التحول الى ملوك تنتهي لعبة الشطرنج بموتهم؟

- يظل الحلم حلم .. و ربما صار وهما لا علاج له ... و لكن احلم – يا صديقي - كما تشاء و كيفما تشاء.. لان حلمك لا يمكنه بأي حال من الأحوال ان يخرج البيادق من دائرة البيادق .. إن تحقيق حلمك لايعني إلا فساد اللعبة و فقدانها عنصر المتعة.

• آلا تعرف – يا عزيزي - كيف تلعب الشطرنج؟ أظنك لا تعرف بأن البيادق تستطيع أن تمتلك قوة خرافية ان وصلت الى خط النهاية... هل تعرف هذه الخدعة فى عالم الشطرنج؟

- اعرف هذا جيدا .. و استطيع القول بأنك لم تضف شيئا ذا أهمية الي معارفي فى مجال لعبة الشطرنج ..ما قلته صحيح نظريا فقط أما على سطح الرقعة فإن الذى يحدث شىء مغاير كليا .. ان البيدق الذى يصل الي خط النهاية و يصبح قويا كما تقول إنما يصل على جثث إخوانه البيادق التى تجبر علي الموت و فى احيان كثيرة تختاره لأنها ترغب في التضحية بحياة لاقيمة لها .. المضحك حقا ان الملك قد يساعد البيدق كى يكتسب قوة اضافية ليس لان الملك يريد للبيدق ان ينال صفة ولي العهد و انما يساعده لحاجة فى نفس يعقوب .. ان الملك يريد ان يعيش حياة اطول على حساب البيدق المسكين .. ارجوك لا تجعل مثل هذه المفارقة تمر عليك عندما تتطوع بمنحى معارفك..

• من اين لك بالتفسير الذي فسرت به كلمة (التضحية)؟لماذا استخدمت لغة الاستهانة بحياة البيادق؟ انت لا تستطيع ان تفسر التضحيه بمفهومك الساخر .. و لا يمكنك وصفها بتهكمك الغير منطقى ..لأن التضحية اكبر منك و من قدرتك على احتوائها فى ايدلوجياتك الضيقة جدا ..التضحية لا تعنى الموت الجسدى الا فى قاموسك المتخلف ..و ان كنت تصر على تصورها هكذا فالاسف يجوز لحالك.. انا أنصحك اذا اتيحت لك فرصة التضحية فلا تفوتها حتى تعرف المعنى الحقيقى لها..

- ليتني استطيع تقديم حياتي فداء للآخرين .. ليتني احصل على هذا الشرف.. البيادق على سطح الرقعة تتمنى نفس أمنيتي .. انا على يقين من هذا .. و لكن تبقى امام تحقيق هذه الامنية استحالة تفرض نفسها ..انها استحالة التضحية بأكثر من حياة .. اذا تمكن البيدق من التضحية من اجل الملك و هذا هو القانون الطبيعى للعبة الشطرنج فإنه لن يستطيع التضحية من اجل بقية البيادق ..البيدق الضحية سوف يودع اخوته البيادق بموت و ابتسامة صمت العاجز .. حينئذ سوف يكتشف بأن حياته لم تكن الا احدى ممتلكات الملك .. حينئذ سوف يكتشف حجم الشعارات الكاذبة التى كانت تغلف حياته ..

• التضحية من اجل الاخرين امر تستطيع ان تفعله عندما تتوفر لديك الارادة .. اقصد عندما يقرر البيدق ان يصنع من موته خلودا و يجعل من نفسه بطلا .. التاريخ ملىء بالتجارب التى تؤكد حدوث مثل هذه المعجزات ..

- انت قلت "عندما تتوفر لديك الارادة" .. حسنا ..اذا كنت بيدقا يفتقد الارادة بفعل القانون فإنك لابد و ان تصطدم بجدار صلب يمنعك من التضحية من اجل الاخرين .. و لا يترك لك هذا الجدار سوى نفق ضيق تجرب فيه الموت لأجل ان يحيا الملك.. انك تمر من خلال هذا النفق حاملا شعار "حياة اطول للملك" دون ان تدرى .. الواقع يؤكد هذا و ليس التاريخ..انك – ياصديقى – تقودني رغما عنى لكى احكى لك قصة اختراع الشطرنج ..ان (سيسال ) عندما جلس ليضع قوانين هذه اللعبة كان يدرك الواقع .. الواقع الذى يضمن عدم المساواة ..و لذا جعل من موت البيادق أمرا عاديا لا يستوجب حتى إعلان الحداد .. و جعل من موت الملك نهاية كل شيء ..

• أولا أحب أن أقول لك بأنك تعترف بسيادتي عليك عندما قلت " انك تقودني رغما عني " .. أما ثانيا فإنني اعرف بأن (سيسال) قسم قطع الشطرنج بقوى متفاوتة .. و الآن دعني أسألك : أليس من الممكن تغيير فلسفة (سيسال) التي تنص على حماية الملك إلى فلسفة تهتم بموت الملك مع المحافظة على عنصري التشويق و المتعة؟

- أنا لا أرضى بأن تنعتني بالعبد علنا ..لان عبوديتي مستترة نوعا ما .. انا لا استطيع انكارها بالطبع .. انها عبودية البيدق المغلفة بغلاف الحرية المزيفة .. فأنا اتحرك .. اعمل ..اقول .. احيا .. اموت وفق قواعد و نظم حددها غيري و لا اجرؤ علي تغيير تلك النظم بمقدار عقلة اصبعى الصغير لانني اولا و اخيرا عبدها .. و لكننى ايضا استطيع التجوال فى اطارها كيفما اشاء ..و لهذا اغضب عنما يقول عنى احد ما اننى عبد .. بإختصار انا بيدق مثالى ..تستطيع ان تقول عنى "عبد حر" ..اما عن فلسفة (سيسال)التي تتصور امكانية تغييرها فإن امرها فى حكم المستحيل إن لم يكن المستحيل ذاته ..لانها فلسفة تعتمد على الواقع و لا تعتمد علي احلامك البتة .. و اللعب الذي يترأى لك على انه لعب نزيه و تنافس شريف انما هو فى حقبقته صراع دموي يدمر كل شىء .. و ضحايا هذا الصراع هم البيادق لانها لا تعني شىء و لا قيمة لحياتها ..

• انت تصر على قلب المفاهيم ..فهاهي الحرية برؤيتك السطحية جدا .. الحرية لاترادف قول "نعم" دائما .. الحرية ان تقول "لا " .. ان ترفض المسير في طريق معبد بنظم صنعها غيرك .. هذه هى الحرية .. و ليس كما تتصورها انت في سجين يسمح له بالخروج من زنزانته ليقضى نهاره داخل اسوار السجن المسلحة بالاسلاك الشائكة ..يبقى السجين سجين برغم ادعاءاتك بأنه حر وفق قواعد على شكل ما . و ما يجب ان تدركه انت قبل (سيسال) ان الملك جبان وهو اجبن قطعة على سطح الرقعة و لذلك وضع فى المؤخرة و احيط بالجنود و الاسوار .. انه اقل من ان يوفر الحماية لنفسه..

- لا اظنك تريدنا ان نعيش فى كون غابى رغم ان الشك يساورني في ذلك .. اقصد كون لا يحكمه ناموس الا ناموس القوة .. الاكل للقوى .. الهواء للقوى .. الحرية للقوى .. لابد من وجود ملك و لو كان جبان .. لان وجوده يعني اختفاء هزلية القوة .. افهم – يا صديقي – معنى العبودية ليتسنى لك المطالبة بنوع من الحرية .. اقول نوع من الحرية لان الحرية الكاملة لا تتحقق الا في كون غابى شعاره القوة فقط .. اما بشأن موقع الملك فهذا شكل من اشكال التمنظر .. يجب ان يبقى الملك ملتقى للعيون اينما كان .. و الاهمية .. اقصد اهمية الملك لا تكمن في موقعه و صفاته بقدر ما تكمن فى ذاته كرمز للامة الشطرنجية .. و بدونه ليس ثمة شىء سوى مساحة ملونة بالابيض و الاسود ...

• اظن بأنناء لن نلتقي فى راى .. تماما مثل فيلين على سطح رقعة الشطرنج..

- اظن هذا ايضا ..لن يضر احدنا الاخر و لو كان التنافس بيننا كبير .. لان اتجاهنا غير واحد و ان حدث و اقتربنا من بعضنا البعض ..نحن لسنا احرار فى استبدال الألوان و لكننا احرار فى التسكع داخل ألواننا كيفما نشاء .. اقصد الي ان يحين دورنا فى الموت من اجل الملك ..

لماذا لا يرقى الطموح ؟

الطموح كلمة مهمة جدا لدى الانسان لان الطموح سبب حياة الانسان واذا مات الطموح مات وراءه الحياة ولذلك يجب ان يكون هناك أمل + طموح+ مستقبل = الحياة الحقيقة الانسان... شكرا لك على هذا الموضوع ...

مشكوووووووووووور ناصر علي الموضوع ربي يبارك فيك
وبدايه موفقه ان شاء الله
تقبل مروري البسيط