المطاردة
في يوم من أيام الربيع المشمسة الدافئة، وبينما كانت حيوانات الغابة تجوب الأرجاء بحثا عن طعامها.. انطلق أحد صغار الحمير يركض دونما سبب مقنع.. اعتقد بغباء أن أذنيه الكبيرتين، اللتين تنتصبان على رأسه.. دليل تميز واقتدار.. وتدلان دون شك، على رجاحة العقل، وذكاء منقطع النظير.. ونظر إلى رجليه الطويلتين، فخالطه شيء من الزهو والغرور.. فقال مخاطبا نفسه:
- لا يمكن أن يهب الله هاتين الساقين القويتين الطويلتين إلا لمن يستحق.
ملأ الغرور رأسه الكبير، فأسرع في العدو بلا توقف، جاب كل أرجاء الغابة طولا وعرضا.
قال حمار مجرب مدرك لأسرار الحياة، ويعرف قدر نفسه:- لقد جن هذا الحمار الصغير دون شك.. ألا ترون معي، أنه يعرض نفسه للخطر بلا سبب وجيه.
رد عليه آخر بقوله: - دعه يركض ما وسعه ذلك.. فطعم الموت لا يختلف كثيرا نائما وجدك.. أم واقفًا.. أو حتى مهرولاً.
ولم يمض كثير وقت على ذلك، حتى خرج أسد من مكمنه، وانطلق يركض أمامه مدعيًا الخوف منه.. و بلا تردد أسرع الحمار يجري خلفه.. لم يتوقف الأسد.. كان يعرف أن الحمار لا يزال يجري خلفه.
تعالت صيحات حيوانات الغابة إعجابا بشجاعته النادرة، فأعجب بنفسه وبشجاعته كثيرًا.. فلم يتوقف عن الجري، بل إنه أصر على أن لا يترك هذا الأسد الجبان، حتى يمسك به ويجره من ذيله ويجعله عبرة للآخرين.
تظاهر الأسد بالإعياء والتعب، لكنه لم يتوقف عن الجري، فجأة انعطف إلى أحد الممرات الضيقة متظاهرا بمحاولة التخلص من مطاردة الحمار له.. ولم يفوت الحمار هذه الفرصة الثمينة، فانطلق في إثره واختفيا عن الأنظار.
كان الأسد يقصد مكانا معينا، اتجه إليه مباشرة.. دخل مسرعًا إلى أحد الكهوف.. ولم يتردد الحمار في الدخول.. كان لا يزال يصر على الإمساك به.. وجره من ذيله إلى حيث تقف بقية الحيوانات.
وقف الأسـد أمام مجموعة من أسود، كانت في انتظاره.. ووقف الحمار أمامها لاهثا مرتبكًا.. نظرت إليه الأسود وقالت:
- ما الذي أتى بك إلى هنا.. ؟ هل أرغمك هذا الأسد على ذلك.. ؟
فرد عليها قائلاً: لا.. أنا الذي أرغمته على ذلك.
ضحك الأسد حتى سقط على ظهره.. وضحكت بقية الأسود
وبكى الحمار وحده.
من قصص سعيد العريبي