انطلق منادي الملك في طرقات الغابة ودروبها، معلنا بدء الاحتفال الكبير بمناسبة مرور عشر سنوات على ميلاد ولي العهد.. وأعلن بالمناسبة كذلك عن بدء هدنة مؤقتة يتصالح فيها الأعداء ولا يعتدي خلالها القوي على الضعيف.
وما إن سمعت الحيوانات بهذا الخبر السار.. حتى خرجت من كهوفها وأجـمتها وأوكارها، ونزل المتسلق منها عن أشجاره وأيكه ومرتفعاته.. جاءت من كل حدب وصوب، من يمشى منهما على أربع.. ومن يمشى على اثنتين.. من يزحف منها على بطنه.. أو يطير في الهواء.
جاءت جميعها معلنة عن فرحتها الغامرة وسعادتها التي لا توصف.. بمرور عشر سنوات طوال على ميلاد ولى عهدها الميمون.. أقام الملك الولائم ومد موائد الطعام الذي يلائم كل الأذواق والمستويات.. أكلت الحيوانات حتى شبعت.. ثم شرعت ترقص وتغني تعبيرا عن بالغ سرورها وعظيم فرحتها بهذه المناسبة السعيدة.
كانت الحيوانات تلهو وتلعب.. وكان الحمار يدنو من الملك شيئا فشيئا.. حتى صار بمحاذاته تماما.. لأول مرة يقف الحمار بجانب الملك.. وكم كانت فرحته كبيرة وهو يقف ثمة متقربا متوددا في محاولة منه كي يحوز على رضي الملك وإعجابه وتقديره.
وبينما كان الحمار منهمكا في ممارسة طقوس تملقه وتودده المعهود.. كان الملك منشغلا عنه بمتابعة عروض فنية راقصة، تؤديها إحدى (الغزالات) التي لم يعرف لها حسب ولا نسب.. جاءت إلى الحفل مع من جاء.. مستغلة الهدنة التي أعطاها الملك للجميع.
لم يستطـع الملك أن يخفي إعجابه الشديد بها، كانت نظراته تدور معها حيثما دارت.. ويصفق لها مع بقية الحيوانات، إعجابا وتقديرا.. ولشدة إعجابه بها، سأل عنهـا وعـن اسمها.. كرر سؤاله لمرات ومرات.. لكن لا أحد من حاشيته أو المقربين منه عرف عنها شيئا ً.
ووجد الحمار الفرصة سانحة لإدخال السرور على قلب الملك.. فدنا منه وهو يقـول:
- أنا أعرفها.. سيـدي الملك.
- تعرفها أنت.. !!!. قال له الملك مستغرباً.
- نعم.. أنا أعرفها.. إنها ابنة خالتي.. يا صاحب الجلالة.
- ابنة خالتك..؟ أمتأكد أنت مما تقول..؟.
- نعم بكل تأكيد.. يا سيدي.
- ولماذا إذاً تقف هناك كالغريب.. تعال إلى هنا لتجلس بجانبي.. في مكان هذا الثعلب الذي لا يعرف من رعيتي سوى الدجاج والكلاب والضباع.
تضايق الثعلب وامتلأ صدره حقدا وغيظا.. من هذا الحمار المتطفل، الذي قربه الملك منه وأجلسه في مكانه.
وبينما كان الحمار مغتبطا مسرورا بهذه المكانة التي وصل إليها، وهذا القرب الذي طالما انتظره.. إذ بالغزالة تتعثر في رقصتها وتترنح يمينا وشمالا.. وتسقط مترنحة وبكل قوتها على ولى العهد.. ففقأت بقرنها إحدى عينيه.
خافت الغزالة إذ ذاك أشد الخوف.. وأصابها الهلع والذعر الشديد.. فهبت واقفة وانطلقت من بين الجموع تجري وتقفز عاليا.. حتى اختفت عن الأنظار.. نادى الملك بأعلى صوته:
- يا حرس.. اقبضوا عليها.. امسكوا بها.
غير أن صيحته ضاعت أدراج الرياح.. فقـد كانت أسرع في الهرب من أن يمسكوا بها.
تقدم الحرس من الملك معلنين أسفهم واستعدادهم للإمساك بها عاجلا أو آجلا.. وتململ الحمار إذ ذاك من شدة الخوف.. لم يكن بطبيعة الحال يتوقع حدوث هذا المصاب الجلل.. الذي أطاح بكل أمانيه العراض وطموحاته الكبيرة.
ووجـد الثعلب الفرصة مناسبة للانتقام من هذا الحمار الوصولي.. فتقدم من الملك وهو يقول: سوف لن تغيب طويلا.. يا صاحب الجلالة.. نعم لن تغيب طويلا.. طالما أن ابن خالتها موجود هنا.
وفي الحال أمسك الحرس بالحمار.. وأشبعوه ركلا وضربا كي يخبرهم عن مكانها.. أقسم لهم بشرفه وشرف كل حمير المملكة، بأنه لا يعرف عنها شيئاً.. غير أن بعضهم لم يصدقـه.. وتعمد البعض الآخر أن لا يصدقه.
ضربوه حتى غاب عن الوعي من شدة الضرب.. واقتادوه في نهاية المطاف إلى السجن.. ليوضع هناك في زنزانة انفرادية.. ريثما تسلم الغزالة نفسها إنقاذا لابن خالتها الحمار.
منقول