ما جدوى أن تكون مثقفا، وأنت قاصر عن جعل ثقافتك أداة لتحسين وتطوير المجتمع ؟ وماجدوى أن تتحول الى مجرد موسوعة من المعلومات محفوظة بين غلافين بانتظار من يحتاجها كمرجع لكلمة أو عبارة ثم يركنها فوق الرف الذي سبق وأن أخذها منه ؟ وماجدوى أن تتحدث عن الثقافة ومعناها وتعريفها وفي نهاية الامر يسخر منك الواقع لأنه يفرض ثقافة مغايرة لاتنتمي لما تقوله ولاتشبه ماكنت تتخيله وتضطر أنت لمسايرتها بينما تتجاهلك ؟ فما الجدوى اذا من ان يكون الانسان مثقفا وان يعتقد بأنه قد حقق انجازا خرافيا بينما هو لم يفعل أكثر من شرع نوافذ اللوم عليه أكثر؟
باعتقادي الشخصي فان الثقافة قبل أن تعني الالمام بالمعلومات وتخزين المعرفة ، فهي تعني القدرة على التغير والقدرة على التداخل لغرض التحسين واعطاء رأي جيد لعلاج قضية تحتاج الى حل. وكذلك وبرأيي الخاص فان أي انسان في هذا الزمان لن يجرؤ على التفكير بأن يصبح مثقفا أو بأن يقول عن نفسه بأنه كذلك كي لايضطر لاحراج نفسه أمام الآخرين ولأنه مهما بدا مثقفا سيبدو أكثر حمقا حينما يحاول الاعتراف بثقافته ويحكي عنها فيرتد اليه الصدى! أما عن الأسباب التي تعيق هذا المفهوم فهي كثيرة. وما يلقاه المثقف في هذا الزمان معضلة تحتاج الى تفسير، فما جدوى أن تكون مثقفا لكنك غير قادر على قول مابداخلك بدون أن تتلفت ذات اليمين وذات اليسار خشية أن ينتظرك مقص يقطع لسانك ؟ وان صرحت بالحقيقة ينالك من العداوات والخصومات مايبغضك بالثقافة وأهلها.
وما جدوى أن تكون مثقفا وملما بالكثير من المعلومات ولديك خلفية جيدة عن أغلب القضايا بأنواعها وفي النهاية تكتشف بان الرأ ي المسموع والكلمة الفصل تعطى لمغني أو لمؤدية بينما تتجاهلك كل العيون وكأنك غير موجود؟ وماجدوى أن تكون مثقفا وتكتشف بانك وحدك من لم تشرب من ماء نهر الجنون ؟ أليس هو الواقع المر الذي يجعل منابر الاعلام التي تصل الى كل بيت والى كل عقل ويتنفسها كل شخص محتكرة حصريا لصالح المغنين والعارضين وكل من لاعلاقة له بالثقافة لامن قريب ولا من بعيد؟ وحينما تحاول الاعتراض يسدون فمك بعبارة ثقافة التطوير التي نعيشها هذه الأيام، ويلطمونك بمصطلح الحداثة والتحديث ويشتمونك برجعيتك وتخلفك. ويشجعونك لتتحول الى مثقف جديد لايفقه سوى ثقافة العصر وهي الثقافة التي ابتكرها منتجو البرامج المعدة خصيصا لاستعراض مفاتن النساء والبعيدة عن مفهوم الوعي والادراك. والمنتجون هؤلاء هم المثقفون الجدد الذين نثروا سمومهم في العالم بهدف الربح السريع فبدأ الجميع يجرون خلف مابدأه مفسد وتحولت الثقافة الى برامج منظمة من تدمير الأجيال بغية قتل العقل وتحويل أصحابه الى مجموعة من الأكباش تتلقى آراء المغنية الفلانية وتطأطيء الرؤوس أمام تيار عار الاعلام المستشري. وما جدوى أن تكون مثقفا ولاتقول كل هذا وتعترض عليه وتهاجمه ولاتحاول أن تضيء اشارات حمراء علها توقف مد السطحية والتفاهة وتحد بعض الشيء من هجمات جراثيم العقول الضارية؟ ولكن الحقيقة المرة أنك ان حاولت أن تقول ستجابهك ردود الفعل وأقلام المعترضين على رأيك وسوف تكتشف بانك وحدك من تفهم معنى الثقافة خطأ ووحدك من تحارب التطور وتسعى الى فساد الأمة بآرائك المتخلفة والجاهلة ووحدك من تحاول أن تصنع زوبعة في فنجان لامبرر لها سوى غيرتك من قدرة المغني الفلاني على جذب الأنظار ومن وسامته غير الطبيعية ومن كم المعجبين والمعجبات الهائل القادرين على التهام لسانك ورأيك قبل أن تحاول قوله.
ما جدوى أن تكون مثقفا وأنت تعرف كل هذا وتدرك المحصلة ومخرجات العصر المصاب بلوثة وتعلم بان النتائج المقبلة ستكون أكثر من لطمة على صدغ العروبة والثقافة نفسها ومع ذلك فأنت لاتستطيع أن تقف لوحدك أمام الاعصار ولا أن تنفخ في بوق لايصدر سوى أصواتا أو شيئا من الهواء لايصيب الا عينيك ؟!